أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - سادية إله أم بشر ساديون- نحن نخلق آلهتنا.













المزيد.....

سادية إله أم بشر ساديون- نحن نخلق آلهتنا.


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 3857 - 2012 / 9 / 21 - 14:31
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


* سادية إله أم بشر ساديون - نحن نخلق آلهتنا (13) .

طرحت فى أبحاث ومقالات سابقة من هذه السلسلة " نحن نخلق آلهتنا " رؤية تدور حول أن الإنسان هو الذى خلق فكرة إلهه ليس من أجل أن يضع سببا لسر الوجود فحسب كما يتراءى للكثيرين بل ليضع فى هذه الفكرة كل رؤيته البسيطة والعميقة للحياة فى كيان يسقط فيه ذاته ورغباته وإحتياجاته وقلقه و أحلامه المتوهمة , وقد وثقت هذا من خلال النص الدينى ذاته الذى يعتبر تعبير صادق وعفوى من مؤسس النص لرؤيته للحياة والوجود والمجتمع لتأخذ هذه الرؤية البدئية منحى القداسة عند عبورها التاريخ لتكلل رؤية إنسان قديم بهالات من القدسية تأخذ مسار اليقين .
فى بحثنا هذا نتلمس مشهد آخر لإسقاط الإنسان ذاته على فكرة الإله فإذا كان قد منح إلهه فى مواضع عدة صفات القوة والرحمة والعدل والمحبة فهو فى بحثنا هذا نجده يسقط ساديتة وبربريته وسوداويته وآفاق إنتقامه البشع على فكرة الإله من خلال ميثولوجيا الجحيم التى بتأمل مشاهدها يجعلنا نتلمس أن مُبدع اسطورة الجحيم شخصية سيكوباتية سوداوية فريدة فى خيالها وشططها .

* لماذا العقاب .؟!!
قبل التطرق للنصوص التى ترسم ملحمة الجحيم السوداء تعالوا نتأمل منطقية وعقلانية فكرة العقاب فى حد ذاتها .. فنحن لم نستشار فى قضية الحياة والإختبار ولم نتقبل شروط هذا العقد بالتبعية فكيف نُجبر على الحياة ودخول الإمتحان رغماً عن أنوفنا ليكون الفشل مصيره العقاب اللانهائى .

الله غنى وعظيم وكامل ولا يحتاج لشئ , ولن يزيده ايماننا أوأعمالنا الصالحة أو تنتقص منه حسب مايُردد دوما .. إذن لماذا العقاب والتلويح به دوماً كعقوبة على عدم الإيمان وفعل الشرور طالما عدم إيماننا وأعمالنا السيئة لن تزيده أو تنتقص منه ؟!

نحن أمام فكرة تخاصم أى منطق وحكمة وعدل فالعقاب الإلهى بالجحيم هو عقاب ممتد بلا نهاية أى أنه عقاب لا يعرف حدود لإنتهاءه وكل هذا العقاب اللانهائى نظير أفعال تمت فى مدة زمنية محددة فلنا أن نتصور إنسان عاش 70 سنه من العمر مثلا مرتكبا الجرائم لتكون عقوبة القاضى عليه بتريليونات المليارات من السنين ولكن تريليونات المليارات من السنين لا تعتبر شيئا يذكر أمام مقولة الخلود فى الجحيم .!!

- الله له مشيئة وتدبير فهو يُقدر ويُرتب لكل إنسان قدره ومصيره لنردد سؤال " ماذنب" من تواجد فى أدغال افريقيا أو فى الإسكيمو او أحراش الأمازون ولا يدرك شيئا عن الله المخلص أو الله الإسلامى .. بل هناك ملايين البشر تواجدوا قبل ظهور فكرة الإله يهوه والرب يسوع والله الإسلامى , فلما العقاب ؟!.. لما العقاب لمن لم يحظى على المنهج الإيمانى المعتمد لحظه البائس من التاريخ أو الجغرافيا أو البيئة الحاضنة .؟!

الله منحنا العقل والحرية للإختيار جدلاً , وعقلى وحريتى قادونى لعدم الإيمان به ليكون مصيرى الجحيم الابدى !!.. فأنا مُنحت العقل والحرية فرضاً لأختار فجاءت خياراتى فى هذا الإتجاه لأعاقب على حريتى فمامعنى الحرية إذن !.. وما معنى العقل هنا !.. كما سيقودنا هذا إلى صاحب الصنعة فأليس الله من برمج العقل وصنعه وقدره على هذا النحو فهل لو قادنى عقلى المعطوب لنتائج تخالفه يكون مصيرى الجحيم الأبدى !!

عندما نلمح أية { ثم قال الرب لموسى ادخل الى فرعون فاني اغلظت قلبه و قلوب عبيده لكي اصنع اياتي هذه بينهم } (خروج 10 : 1) - وأية ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً ) (الأنعام :125) و أية { قُلْ إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ } (27) سورة الرعد
إذن الأمور مُقدرة ومُخططة ومُسيرة وكل خيوطها فى يد الله ولن تفلح فى الفرار من تقديره وتضليله , فلما العقاب الأبدى !!!

نحن البشر البسطاء نتحلى بقدر بسيط من الإنسانية والرحمة والعدل والحكمة فعندما نقيم إختبار لمجموعة من التلاميذ نكافئ المجد بمنحه الجوائز والشهادات وننصرف عن الفاشل فلا نمنحه شيئا فيكون حرمانه من الجائزة هو العقاب الذى يستحقه , فالطالب المجتهد نال الشهادة والتقدير نظير إجتهاده بينما الفاشل سنحرمه من هذا ونكتفى بذلك , فلم نعهد أن وجدنا من يسحب الطالب الفاشل إلى معتقل ليعذبه جزاء فشله بل يكون عقابه هو حرمانه من الذى حصل عليه زميله المجتهد وكفى , يمكن القول ان إمكانيات الطالب الفاشل الذهنية والإجتماعية لم تحقق له النجاح فإما ان نمنحه فرصة أخرى أو كفى .. فلماذا نرى هذا الأمر مُختل فى العدل والحكمة الإلهية , لماذا لا يكتفى الإله بحرمان الإنسان الغير مؤمن والخاطئ من الحياة الأبدية وكفى .. لن نطلب أن يُمنح الكافر فرصة أخرى كما فى حال الطالب الفاشل فيكفى ان يكون عقابه هو الحرمان من الحياة مرة أخرى جزاءا على عدم ايمانه ... لم نفكر فى هذا الأمر لنردد كالببغاوات الجحيم .. الجحيم .

* التعذيب الأبدى ..سادية إله أم سادية بشر.!
نأتى إلى قضيتنا فى هذا البحث والتى ستطفى الإثارة والدهشة عندما نتأمل ملامحها من خلال الصور المرسومة عن الجحيم فسيعنينا تناول هذا المشهد المغرق فى ساديته .. سنتجاوز أهمية فكرة عقاب فى قضية لا تتحمل العقاب . ولن نتجادل فى هذا العقاب الممتد ليحطم حاجز الزمن إلى المالانهاية . ولن يعنينا أن نقول ما العدالة والحكمة فى عقاب لانهائى على أفعال محددة بالزمن . ولن نقول ماذنب إنسان هكذا حظه من التاريخ والجغرافيا فى إعتناق معتقد لا يحظى على رضاء الرب . ولن نتوقف عند سؤال ما ذنب الإنسان إذا كان عقله الذى خلقه الله قاده للمصير التعيس . ولن نعتنى بفكرة أن الله يهدى ويضل من يشاء رغماً عنه فيمكنك ان تعمل عمل أهل الجنه ولكن الله يريدك من أهل النار فتفعل فعل أهل النار لتحقق معرفته ومشيئته .!
لن يعنينا كل هذه القضايا وإن كانت جديرة بالإعتناء فى سبيل ان لا يتم التشويش على الفكرة الأساسية وهى أننا بصدد تسليط الضوء بقوة على فكرة شديدة السوداوية والسادية ترسم ألوان كثيفة من العذاب المفرط فى الجحيم بلا أى مبرر لإنسان مهما كان مفترياً فاسداً فهو بائس فى النهاية بحكم ضعفه ليتصدر رؤية صاحب خيال شديد السواد المشهد الدرامى فيسرح ويمرح عبر المقدس ليجد سبيله فى إيمان البشر بفنتازيا الجحيم وليتردد على كل لسان خالقاً فى داخلنا بلادة غريبة بتقبل مشاهد غير منطقية ولا رحيمة فلا نفطن لها بل نردد كالببغاوات الجحيم الجحيم .. تعالوا نتأمل هذا الثراء السوداوى الغريب والعجيب فى الميثولوجيات الدينية التى تتحدث عن عذاب الجحيم وسنركز على الأديان والمعتقدات الحديثة بحكم حضورها وإهتمامنا بها كما هى الأكثر إستفاضة فى سرد الجحيم .

هناك إفتنان عند مبدعى النص المقدس بتصوير الجحيم والإسترسال فى وصفه ليفيض التراث بالكثير من توصيفاته المفعمة بالصور الفنتازية الشديدة القسوة والإرهاب فنجد اوصاف كثيرة للنار : (( النَّارَ الكُبْرَى)) ..(( نَاراً حَامِيَةً)) .. (( نَاراً تَلَظَّى)) .. (( نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ)) .. (( نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ)..(( نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ))..(( فِي عَمَدٍ مُمَدَّدةٍ)).

يسترسل النص المقدس فى الإعتناء الشديد والتلذذ فى تصدير رسم صور الجحيم وأهوال العذاب ..(( إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَ هِيَ تَفُورُ))[ الملك : 7 ]قال ابن عباس : الشهيقُ لجهنَّم عندَ إلقاءِ الكفَّارِ فِيهَا ؛تَشْهَقُ إليهِم شَهْقَةَ البَغْلَةَ للشعير.!!
(( إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ ))[ المرسلات : 31،32 ]ويفسر الجَلاَلَيْنِ : (إِنَّهَا) أي النار ( تَرْمِي بِشَرَرٍ ) هو ما تَطَايَرَ منها ( كَالْقَصْرِ ))من البناءِ فِي عِظَمِهِ و ارتِفاعِهِ .‏!! ( كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ ) جَمْعُ جِمَالاتٍ جَمْعُ جَمَل .!! ولتسأل لماذا كل هذه النيران العالية ولماذا كل الشهيق المستقبل .!!
(( تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ))[ الملك : 8 ]قال ابنُ كثير :قَوْلُهُ ( تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ ) أَيْ يَكَادُ يَنْفَصِلُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ،مِنْ شِدَّةِ غَيْظِهَا عَلَيْهِمْ وَحَنَقِهَا بِهِمْ ... لقد أصبحنا أمام جحيم ذو غضب وغيظ هائل.!

( كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الحُطَمَةِ * وَ مَا أَدْرَاكَ مَا الحُطَمَةُ ))[ الهمزة : 4،5 ]قال القُرطُبيُّ :(فِي الْحُطَمَةِ) وَ هِيَ نَارُ اللَّهِ ؛سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَنَّهَا تَكْسِرُ كُلَّ مَا يُلْقَى فِيهَا وَ تُحَطِّمُهُ وَ تُهَشِّمُهُ !!..يااااه كل هذا من أجل إنسان بائس كان حظه بائساً من الجغرافيا والمعرفة .
((لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ فِي العَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ))[ المائدة : 80 ] -- (( ومَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ *تَلْفَحُ وَجُوهَهُمُ النَّارُ وَ هُمْ فِيهَا كَالِحُونَ))[ المؤمنون : 103،104 ]
(( إِنَّ المُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَ هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ )) ... (( مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً))[ الإسراء : 97 ] هذا المشهد يثبت بشرية النص وان صاحبه ذو نزعة سادية غريبة فإذا كان الله يعلم ان النار ستخبو فلما يؤججها كالأعرابى الذى يلقى فيها الحطب فأليس الخالق بقادر على ان يمنحها درجة ثابتة من الحرارة بدلاً من هذه الجلبة فلا تخبو ولا يضطر كل فترة ان يذهب للموقد ليؤججها .!!

( يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحَمِيمُ* يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَ الْجُلُودُ))[ الحج : 19،20 ].. زبانية جهنم لا يقتصر فعلهم على تقليب البشر فى النار بل يُصب جردال من الحميم فوق الرؤوس وليصهر به ما فى بطونهم .. كل هذا من أجل إنسان له حظ بائس من الجغرافيا ولا تنسى أن هذا لن يتم لمليار أو تريليون سنه بل الى المالانهاية من الزمن .!!
(( فِي الحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ ))[ غافر : 72 ]قال القُرطُبيُّ فى تفسير هذه الآية : وَ الْحَمِيمِ الْمُتَنَاهِي فِي الْحَرِّ . الصَّدِيدُ الْمَغْلِيُّ . ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ أَيْ يُطْرَحُونَ فِيهَا فَيَكُونُونَ وَقُودًا لَهَا .!! أى لن يكتفى بأنهم يحرقون فى الجحيم ويصب فوق رؤوسهم الحميم ويصهر به بطونهم بل سيكونون وقودا لها وللمشاغبة إذا كانوا وقوداً فلمن إعداد هذه الشواية .

(( وَ سُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ))[ محمد : 15 ].. لاحظ هنا فكرة تقطيع الأمعاء فلا تستهولك الصورة فقط بل وفقا لهذا فإن الله سيخلق بالضرورة أمعاء جديدة بإستمرار مثل الجلد الذى يحترق فيبدله لترى مشهد سادى غريب لا يعرف حدود فى الإنتهاء من هذه المعمعة .

مازالت النصوص ثرية بمشاهدها لتتحرك وتمنحنا خيال وهوس لا تعرف ما مبرره لهذا الزخم من صور الإنتقام الهائل والعذاب المنتظر وعليك ان تتذكر دوما ان هذه الحفلة من التعذيب لن تستمر مليار او تريليون سنه بل إلى الأبد (( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا )) ألنساء آية 56... فلنركز فى مقولة سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا لنرى أن هناك حرص شديد من الإله على فعل التعذيب و إستمراره وتوهجه فالإله متفرغ تماما كما يبدو لقضية التعذيب من أجل تجديد الآلام المبرحة فكلما احترقت جلود سارع فى تجديد الجلود حتى يكون الألم فى قمة عنفوانه ولاندرى لماذا لم يمنح الله الجلد خاصية تجديد نفسه تلقائيا أو أن يبقى على حاله مع إستقباله للألم دوماً بدلا من هذه المشقة ليعفى نفسه من تجديد الجلود للأبد فى عملية لا يمكن وصفها إلا بأعلى أسقف الإنتقام والتعذيب التى لا يوجد ما يبررها سوى أنها خيال بدوى ارتفعت أسقف ساديته ليسهو فى خضم مشهده السوداوى ان الإله القادر على كل شئ يمكنه ان يجعل الجلد يتألم ولا يحترق ولكنه خيال إنسانى مُفرط غير مُدرك أن الجلد ليس مصدر الألم بل الأعصاب ولكن هكذا كان وعيه .!!

نأتى لصورة مشابهة من الكتاب المقدس ( جهنم، حيث لا يموت دودهم ولا تطفأ النار ) مرقس9: 43-48- فهنا منح مُبدع النص الدود الحياة الأبدية لترافق الإنسان فى نهشه إلى الأبد !!! .. ولكنك تجد شئ غريب فالدود ينهش والنار متقدة لا تنطفئ فكيف يكون هذا ؟! .. هل يعنى هذا أن الدود مُحصن ضد النار وينهش الإنسان وهو مشوى فيلتهمه كالكباب على نار حامية متلذذاً به ولا بأس من بعض السلطات والمشهيات فخيال كاتب النص الذى منح الدود الخلود لم يفطن أن الإنسان سيتلاشى فى وقت قريب بعد ان يأتى عليه الدود .. لذا كان يجب ان يستعير الميثولوجيا الإسلامية فى إطعام أهل الجحيم من الزقوم حتى يبنوا لحماً يتم نهشها دوماً من الدود .!! ..الطريف ان المسيحية تحاول ان تكون روحانية ليعلن فلاسفتها الإبتعاد عن حضور الجسد فى الملكوت أوالجحيم , كما هى غير معتنية ببعث الأجساد كما يردد اللاهوتيون , فماذا عن النار التى لا تنطفئ والدود الذى لا يموت وماذا عن "البكاء وصريف الأسنان، في أتون النار" ( متى13: 42 ) فهل هذه اجساد نورانية يتم تعذيبها أم الجسد البشرى الذى يُبعث ليتم حرقه وشويه ليصبح وليمة للدود .!!

(إن شجرة الزقوم. طعام الأثيم. كالمهل يغلي في البطون. كغلي الحميم. خذوه فأعتلوه إلى سواء الحجيم. ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم) (الدخان 43-48) وقال كذلك (من ورائه جهنم ويسقى من ماءٍ صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ) (إبراهيم 15-17) .. حاول ان تتأمل هذا المشهد جيدا فالسادية لم تكتفى بنار متقدة تحرق وتؤلم الأبدان إلى مالانهاية من الزمن بل لابد من إطعام هذه الأبدان التى غفل عنها كاتب السادية فى الكتاب المقدس من شجر الزقوم وطعام أثيم يغلى أيضا فى البطون وليكون الشراب ماء صديد , وعليك أن تتذكر أن الله رحيم ورؤوف وعادل فهو يحاكم وينتقم بكل هذه الممارسات الجهنمية عقاباً لإنسان بائس كان حظه أكمثر بؤساً من الجغرافيا ليعيش عدة عشرات من السنين ثم يعذب إلى المالانهاية من السنين .!!

فى إنجيل متى مشهد غريب «ثُمَّ يَقُولُ أَيْضًا لِلَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ، لأَنِّي جُعْتُ فَلَمْ تُطْعِمُونِي. عَطِشْتُ فَلَمْ تَسْقُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَلَمْ تَأْوُونِي. عُرْيَانًا فَلَمْ تَكْسُونِي. مَرِيضًا وَمَحْبُوسًا فَلَمْ تَزُورُونِي. حِينَئِذٍ يُجِيبُونَهُ هُمْ أَيْضًا قَائِلِينَ: يَا رَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا أَوْ عَطْشَانًا أَوْ غَرِيبًا أَوْ عُرْيَانًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا وَلَمْ نَخْدِمْكَ؟ فَيُجِيبُهُمْ قِائِلًا: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَفْعَلُوهُ بِأَحَدِ هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي لَمْ تَفْعَلُوا. فَيَمْضِي هؤُلاَءِ إِلَى عَذَاب أَبَدِيٍّ وَالأَبْرَارُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ" (إنجيل متى 25: 34- 46 ) .. نار وعذاب ابدي لمجرد إنسان لم يترفق بالضعفاء والبائسين فأى سادية تلك !!.. هل نقول هى سادية فقير إمتلأ قلبه حقد وسواد ليجعل الجحيم الابدى وبحيرة الكبريت التى لا تنطفئ لمجرد ان إنسان ازاح وجهه عنه ولم يترفق به .. شئ غريب .!!

في المزامير11: 6 يقول:" يمطر على الأشرار فخاخا نارا وكبريتا وريح السموم " تصور ان الشرير لن يكتفى بعقابه للأبد عن حياته البائسة بل عليه أن يعاين ويتلقى أحداث يتضاءل أمامها أى فيلم أمريكى فهناك أمطار من نار وكبريت ورياح سامة كأننا فى حرب النجوم , ولكن مهلك فالفيلم ليس لمدة ساعة ولكن للأبد وإذا كان المسكين الذى يتعرض للأهوال فى الفيلم الامريكى سينتهى به الحال إلى سلام فلن يتحقق هذا فى الفيلم الإلهى فالعرض مستمر .!

نحن أمام مشاهد سادية شديدة السواد يجعلك تتعجب لهذه القسوة المفرطة ويدفعك للتوقف كما توقفنا عند مغزى العقاب ذاته فإذا كان هناك إختبار فما الداعى لعقاب الفاشلين فيكفى حرمانهم من متعة الحياة الأخرى هذا إذا إعتبرنا أن الفشل والنجاح جاء بناء على حظوظ متساوية للبشر فالإيمان لا يزيد عن حظوظ من الجغرافيا تتولى البيئة الحاضنه دعمه بهالة من القداسة ترافقها عاطفة تمنح الخرافات هوى وعشق وعصبية وغباء علاوة أن الله يُقدر الأقدار ويعلم مصير الجميع فلما الجلبه ؟!.. وكيف الخروج من قدر وضلال اراده الله لنعيد السؤال للمرة الثانية ما معنى عقاب لا نهائى على اخطاء محدودة .

يبقى أن نتوقف ملياً أمام هذه الحفلة السادية من العذاب المستمر والقسوة المفرطة والإنتقام الشرس , فمشهد الجحيم والتعذيب يصفع أى عقل غافل ويثقب عين أى متغافل لتسأل ببساطة شديدة لماذا التعذيب كعقاب فلما لا يُكتفى بالحرمان من الحياة الابدية او الحبس مثلا إذا كان هناك ضرورة حتمية للعقاب .. ثم أين الله الرحوم الرؤوف من مشهد الجحيم فمتى يمارسه , فنحن نحظى هنا على فكرة إله سادى يتفنن ويتلذذ بممارسة التعذيب فإذا كان رحيماً رؤوفا فمتى يُظهر تلك الرحمة والرأفة طالما يمارس التعذيب المستمر إلى المالانهاية من الزمن !!.. اين الرحمة من جلود تحترق فى القرآن ليتم تبديلها , ولحوم محترقة فى الإنجيل داخل بحيرة النار والكبريت يلتهمها الدود كوجبة شهية ولن يستمر هذا المسلسل لمدة تريليونات المليارات من السنين بل إلى الأبد .. ما كل هذه السادية ؟! .

ليست نصوص من السماء حتى نقول إله سادى فالأمور لا تتعدى فنتازيا سوداء أفرط خيال إنسانى ذو نفسية سوداوية معتلة فى رسم مشاهدها معتنيا بخلق الإرهاب لمن لا ينطوى تحت راية الهوية الإجتماعية للجماعة ومشروعها القومى الدينى ليبشرالخارجين عنها بهذه الحفلة اللانهائية من التعذيب الوحشى مُرهباً القطيع ومشكلاً فوبيا فى الداخل الإنسانى لمن يتحدى المنظومة الدينية والسياج الإجتماعى المؤسس لها من النخب والطبقات المعتنية .
نرى مشهد آخر يؤكد هذا المنحى وإن تلحف بالتخدير والتعزية للبؤساء فيرسم الكتاب المقدس هذا المشهد " فرفَعَ الغنى عَينَيْهِ وهوَ في الجحيمِ يُقاسي العذابَ فرأَى إِبراهيمَ عَنْ بُعدٍ وألِعازرَ في حِضنِهِ. فنادى : " ارحمْني يا أَبتِ إبراهيم، وأَرسِلْ ألِعازرَ ليَبُلَّ طَرَفَ إِصبَعِهِ في الماءِ ويُبَرِّدَ لساني , فإِنِّي مُعَذَّبٌ في هذا اللهيب ." --- و قالَ إِبراهيم : " يا ابني تذكَّرْ أَنَّكَ نِلتَ خيراتِكَ في حياتِكَ , ونَالَ ألِعازرُ بلاياه . أَمَّا اليومَ فهوَ هَهُنا يتَعزَّى وأَنتَ تتعذَّب . ومَعَ هذا كُلِّهِ فبينَنا وبينَكُم أُقيمتْ هُوَّةٌ عميقة , حتَّى إِنَّ الذين يُريدونَ الاجتيازَ مِنْ هُنا إِليكُم لا يستطيعون , ولا الذين هُناكَ يستطيعونَ الاجتيازَ إلينا ." لوقا 16/19-31 .. ولا يترك القرآن هذا المبدأ دون ان يؤكده (( إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً*لِلطَّاغِينَ مَآباً * لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً *لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَ لاَ شَرَاباً* إِلاَّ حَمِيماً وَ غَسَّاقاً ))[ النبأ : 21-25 ]
فيا أيها المؤمن المظلوم الفقير البائس المُهمش شمر ذراعك لتأخذ هذه الحقنة لتريحك وتنعم بالراحة كما لا تبتئس فالطغاة الذين أذلوك والاثرياء الأنانيون الذين أهملوك سيقاسون العذاب فى الجحيم الأبدى وستنعم أنت بالنعيم .. سيتمنون قطرة ماء وبرداً وشراباً فلا ينالون إلا العذاب وانت تنعم بالنعيم وتتلذذ بمشاهدة ألمهم لذا فلتتعزى وتهدأ ولا تثور ولتتجرع ذُلك وفقرك وضعفك على الأرض ولينعم الطغاة وأصحاب الكروش - البشع فى هذا المشهد هو لذة الإنتقام والتشفى ذات الاسقف العالية التى يصدرها لهؤلاء البؤساء فى معرض تخديرهم .

مشهد الجحيم هو نسج خيال إنسان ذو حالة نفسية غرق فى سواده وكراهيته وارتفعت أسقف أنتقامه وبغضه ليصل لوضعية شاذة غير طبيعية ليخلق آلهه ويسقط عليه قبحه وسوداويته وساديته , ولا تكتفى الامور بخيالات مريضة لأصحابها الأوائل بل تمرر بهاالة مقدسة ليواصل فكر انسان قديم سادى حضوره وإنتهاكه لإنسانيتنا ويتكرس سوداوية وبشاعة وسادية وانتقام مفرط لتحتل مكاناً طبيعياً فى ثقافتنا فلا تندهش عندما يتفنن زبانية حكامنا فى إذاقتنا صنوف العذاب لتجد هوى لديهم وإستسلام لدينا لتستمر الحياة بنا هكذا فللسادية نهج مقدس .

دمتم بخير .
- "من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول الفيلم المُسئ .
- التمايز والرياء فى ظلال المقدس-لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون .
- الله غير محدود بالزمان والمكان-خربشة عقل على جدران الخرافة و ...
- السببية كمان وكمان -لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون.
- ثقافة المهانة والإمتهان-لماذا نحن متخلفون .
- حوارات حول المعرفة المطلقة-خربشة عقل على جدران الخرافة والوه ...
- آلهة غاضبة أم بشر غاضبون-الأديان بشرية الهوى والهوية.
- نحن والجن وأحفاد القردة والخنازير- لماذا نحن متخلفون
- غريب هو إيمانهم !- لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون.
- الخير والشر ومعضلة الإله-خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم ...
- النهى عن المنكر ومنهجية الوصاية - لماذا نحن متخلفون(6).
- فَكَرِهْنَا ذَلِكْ -الأديان بشرية الهوى والهوية (5)
- قليل من العقل والمنطق لن يضر-خربشة عقل على جدران الخرافة وال ...
- الأخلاق والسلوكيات فى الأديان بين الإزدواجية والإنتقائية-الد ...
- مصر إلى أين-سيناريوهات مؤلمة قادمة
- نهج الدم والبحث عن لذة الهمجية والبربرية - الدين عندما ينتهك ...
- آيات من سفر الوجود - تأملات وخواطر فى الإنسان والوجود والإله ...
- فى رحاب الشريعة - الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (36)
- الله محبة !- لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون (24)
- أوراق الشجر والله - خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم.( 17)


المزيد.....




- إبادة جماعية على الطريقة اليهودية
- المبادرة المصرية تحمِّل الجهات الأمنية مسؤولية الاعتداءات ال ...
- الجزائر.. اليوم المريمي الإسلامي المسيحي
- يهود متشددون يفحصون حطام صاروخ أرض-أرض إيراني
- “متع أطفالك ونمي أفكارهم” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 ب ...
- لولو يا لولو ” اظبطي تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- شاهد: عائلات يهودية تتفقد حطام صاروخ إيراني تم اعتراضه في مد ...
- أمين عام -الجماعة الإسلامية- في لبنان: غزة لن تبقى وحدها توا ...
- وزيرة الداخلية الألمانية: الخطوط الحمراء واضحة.. لا دعاية لد ...
- لجنة وزارية عربية إسلامية تشدد على فرض عقوبات فاعلة على إسرا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - سادية إله أم بشر ساديون- نحن نخلق آلهتنا.